كتب : عمر الفطافطة
في ظلمة الليلة العاشقة ، وعلى مرأى ليالي الصيف الساهرة ورونق النجوم اللامعة وعلى مسرح من الأناشيد البهيجة الغامضة التي تعزف على لحن الموسيقى وصوت الزغاريد ، في ظلمة ليلة مضيئة لا فرق بينها وبين نهارها لان قمرها كان ساهرا معها فكان يتغنى بالنجوم الحائرة ونسمات الهواء الباردة التي تبعث في نفس مستنشقيها لحظة أمل في حياة جميلة تعزف على أوتار الابتسامات فترسم على وجوههم الراحة والاطمئنان التي لطالما افتقدوها حتى أن أروقة الجدران والساهرين بين أزقة الحارات والوديان أخذوا يغنوا مع صوت قادم من بعيد متسائلين من أين هذا الصوت الجميل ؟؟ من أين هذا الصوت النبيل؟؟ وإلا باحدالساهرين مجيب بشفايف تراقصها الفرحة قائلا: " من ذاك العرس البعيد من ذاك العرس الملئ بالوجوه الفرحة وطبطبة الأرجل التي تنهمر على صفائح خشبية لتصدر صوتا يجعل مستمعيه من شدة إعجابهم به يخرجون عن عاداتهم البشرية.
وبالصدفة كنت على قرب من تلك الجدران وذاك الشاب الساهر عندما كانا يتحاوران فأخذت استرق السمع فدب في أذني كلام يقول بأن هناك عرس ما في حارة ما فأخذت أجهز نفسي وأشد أحزمتي واتجهت مسرعا إلى العرس وعندما وصلت وأبصرت عيناي أيقنت عندها بأنني سوف أمضي ليلة تملئها الابتسامة تملئها ضحكات الرجال وبراءة الأطفال ، فأخذت نفسي وسرت بين أطراف العرس باحثا عن مكان مناسب لي لكي أخذه وأجلس علية لأكون قريبا من مسرح العرس الذي كان مدججا برجالات الحارة استعدادا إلى إشعال فتيل دبكتهم وحركاتهم الجميلة التي لطالما سعد الناس برويتها وما زاد فرحة الناس فرحة أخرى عندما شاهدوا" أبو محمد " 45 عاما يلوح بعصاه استعدادا لبدء الدبكة علما بأن ابو محمد معروف بين أبناء بلدة بمهارته وقدرة العالية على إمتاع أنظار محبيه ومشاهدة لحركاته البهلوانية التي كان يقوم بها في أثناء الدبكة بصحبة رجالات البلدة .
لذا سارعت لكي اخذ لي مكان قريب من المسرح ولحسن حظي حصلت علية وحينها شعرت بسعادة كبيرة تغمرني حالي مثل حال باقي المتفرجين وما هي إلا دقائق حيث أخذت الموسيقى تعزف أوتارها على الحان الدبكة وحركات لرجال وعلى رأسهم ابو محمد ذلك الرجل طويل القامة فارد الشاربين واسع العينين والذي بدأها بإلقاء السلام على المشاركين معه فردا فردا وبعدها اخذ بإلقاء نظرة طويلة على الحاضرين ورأيت في عيناه وكأنهما تريدان أن تقولا شيئا ما إلى محبيه في ظل حنكة الليل ، تأمل ابو محمد قليلا وأخذت الموسيقى تعزف اخذ هو واصدقائة بالتلويح ظاهرا على وجوههم معالم الفرحة الغامرة التي تخبئ بين ثناياها أوجاع حزن منتظر هذه الفرحة التي كانت تلازم ابو محمد دائما خصوصا عند مشاركة لأهل بلدته في أفراحهم علما بان ابو محمد من أكثر المتمرسين في الدبكة والعالمين بخباياها وإسرارها ولكن سعادته في هذا العرس كانت تخبئ ورآها ذكرى أليمة ذكرى ما زال يتألم منها كل صغير وكبير ذكرى رسمت على قسمات محبيه حزنا طويلا .
حيث ما لبثت الدبكة أن تبداء لبضعة دقائق وإلا بابو محمد يفاجئ محبيه عندما أنخرط على الأرض وبشكل غريب وغير مسبوق فهرع الناس مسرعين باتجاهه ليطمئنوا على حاله ضانين بأنه سقط نتيجة الإرهاق والتعب أو نتيجة الفرحة الكبيرة ولكن كانت هي النهاية كانت هي الدبكة الأخيرة كانت هي السعادة والمشاركة الأخيرة لأهل بلدته وأزقة حارته قائلا لهم بعيون تختصرها الأوجاع والإحزان وداعا لكم وأنا على فراش الأفراح فودع ابو محمد محبيه على الساحة التي لطالما اعتاد أن يرسم الفرحة على وجوه مشاهديه ولكنه في هذا العرس رسم جراحا عميقا وبكاء غزيرا في قلوب محبيه الذين أحبوه لبساطة ومشاركة معهم في أفراحهم .
فوداعا ابو محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق