الثلاثاء، 23 فبراير 2010

عمالة الاطفال سلب للطفولة والبراءة

ميساء بشارات: أطفال في عمر الزهور، لم يكمل الواحد منهم الثانية عشرة ربيعا من عمره ، ليجدوا أنفسهم مكان ذويهم في إعالة الأسرة، فظروف الحياة القاسية دفعتهم للانخراط في العمل ، ليصبحوا المعيل الوحيد و الأساسي لأسرهم، تلك الحياة التي حملتهم متاعبها ومشاقها وألقت عليهم أعباءها قبل أوانهم، فكانت حملا ثقيلا على أكتافهم الغضة

فرغم صغر أعمارهم، تجدهم ينتشرون في كل مكان ، في شوارع مدينتهم وبين أزقة أسواقها العتيقة، وأسفل السيارات وفي محلات النجارة والحدادة، أماكن ثقيلة على أحلامهم وأجسادهم الغضة.

متطلبات الحياة
يقول محمود ابن الحادية عشر ربيعا ومن سكان مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس، والذي يعمل على عربة لبيع الخضار "أخرج من الساعة السابعة والنصف صباحا من منزلنا، وأعود في الساعة الخامسة مساء، حيث أعمل تسع ساعات متواصلة على عربة لبيع الموز، لكي احصل على مبلغ بسيط لا يكفيني وعائلتي لقضاء حاجاتنا الأساسية ومتطلبات الحياة الصعبة، ولكن ما اكسبه يسد الرمق وهو أفضل من لا شيء، ويكفي في سد الحاجة وعدم الحاجة أو مد اليد للغير".

ويتابع محمود وحرقة الشمس بادية على محياه الصغير "خرجت من المدرسة وأنا في الصف الثاني الابتدائي لكي أعيل أسرتي بعد وفاة والدي، وأتحمل مع والدتي أعباء الحياة ، فأكون عونا لها ولإخوتي الصغار، فانا أكبرهم ونحن خمسة أفراد بالبيت، فكان الواجب يحتم علي ترك المدرسة لمساعدتها في إعالتنا، خاصة بعد مرضها".

كانت متطلبات الحياة كفيلة بإخراج محمود من بين ألعابه وأحلامه كطفل، ويجد نفسه أمام عالم آخر ومسؤولية اكبر من عمره ، ومحمود الذي تراه مع ابتسامة تسير إلى حزنه، يلقي لومه على الحياة التي كانت السبب في تركه للمدرسة التي كان يعشقها ، حيث كان يطمح بإكمال دراسته ويصبح طبيبا محبوبا من قبل الجميع، ومشهورا يقبل الناس عليه لمعالجتهم .

كما ويتساءل محمود عن حقه قائلا " ينادون بحقوق الطفل فأين حقي وحق كل طفل فلسطيني يعيش على هذه الأرض المقدسة، أم نحن لسنا كأطفالهم ؟؟؟ أين حقي في التعليم والعيش بكرامة وحرية ودون معاناة .أين هو هذا الحق ؟؟؟ أم انه شعارات و حبر على ورق ؟؟؟". "لو" للتمني فقط
ويضيف محمود " لو عندي متسع من الوقت لألعب و ألهو مثل الأطفال الذين في عمري وامض وقتي كما يحلو لي دون تعب أو عمل، ويكون لي أصدقاء العب معهم أو استطيع الانضمام إلى مركز الكاراتيه، لكن القدر أشاء لي أن أكون هنا وراء هذه العربة التي هي مصدر رزقي وأسرتي، وان أتخلى عن كل أحلامي وآمالي للعيش كباقي أطفال العالم" .

وعلى الصعيد نفسه، يشير محمود "لكنني سوف اعمل جاهدا كي أوفر حياة أفضل لإخوتي الصغار وسأجعلهم يحققون ما لم تسمح لي الحياة تحقيقه ، و سوف أكون جدارهم الذين يستندون عليه بإذن الله، ودائما بقربهم حتى أرى مستقبلي بعيونهم وبمستقبلهم، وأعوض ما فاتني عبرهم" .
أما سيف ذو التاسعة عاما من مخيم بلاطة، والذي يحمل الشوكولا والمكسرات متجولا بها في مجمع السيارات في مدينة نابلس ، فتارة يصعد هذه السيارة أو تلك ، كانت غايته من العمل جمع النقود لشراء دراجة هوائية ، يسابق بها أصدقائه ممن لديهم الدراجات الهوائية ، وذلك لان ظروف العائلة ومستوى دخل الأسرة لا يسمح لهم بشراء دراجة لطفلها ، فكان عليه هو جمع ثمنها .
وبين هذا وذاك من الأطفال، كثر هم ممن تضطرهم ظروف الحياة الصعبة للعمل كي يساهموا في زيادة دخل أسرهم، أو ليكونوا المعيل الأول لعائلاتهم، أحلام بسيطة اعتلت في نفوسهم ولكنها صعبة المنال، للتجاوز ظروف حياتهم ووضعهم الاقتصادي تلك الأحلام .

تأثيرات سلبية
وعلى الصعيد نفسه، يشير الدكتور خضر احمد أخصائي اجتماعي "أن عمل الأطفال يضر بهم نفسيا واجتماعيا وجسمانيا ، فالأطفال العاملين هم اقل نموا ووزنا وأقصر طولا من الكثير من زملائهم الآخرين في نفس العمر، وهذا ينعكس سلبا على نموهم العقلي والنفسي والجسدي ايضا، مما يخلق جيلا جديدا يعاني من أمراض جديدة في مجتمعنا الفلسطيني الذي يعاني من ويلات عديدة سببها الاحتلال الإسرائيلي". .
ويضيف احمد، أن الأطفال العاملين في الأعمال الشاقة يتعرضون لتشوهات جسدية في العظام والفقرات وحالات نفسية صعبة لأن عقولهم غير مهيأة بعد للعمل الشاق، فهناك بعض الإحصائيات التي صدرت مؤخرا اشارت، إلى أن عدد الأطفال العاملين في العالم العربي يبلغ اثني عشر مليون طفل لكن الكثير من الناشطين في هذا المجال يعتقدون بأن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير .

ورغم أن عمالة الأطفال تعد خرقا للقانون الدولي فإن الكثيرين في المجتمعات العربية يعتقدون بأن عمل الأطفال هو أمر طبيعي بل وضروري لتنشئة الطفل تنشئة تمكنه من الاعتماد على نفسه في المستقبل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق